الجزيرة نت-نواكشوط
يحيط بالمكان سياج سميك وبداخله رجل شديد بياض الجسد شديد سواد الشعر. وكل أسبوع يقصده أناس يتوجّعون ويبكون ثم يعودون بأحمال من الخيبة والحسرة والندم والألم.
على بعد عشرة كيلومترات شمال العاصمة نواكشوط، تقع قرية صغيرة تسمى التيسير. لا يتجاوز سكانها عشرات الأفراد ولم يكن يخطر ببال أحد أنها ستكون سببا في تشريد آلاف الأسر ونهب مئتي مليون دولار.
في هذه القرية يقيم الشيخ علي الرضا بن محمد ناجي الصعيدي الذي يزعم أنه ينتسب لبيت النبوة ويفتخر بأصوله المصرية الصعيدية، ويقول محبوه ومريدوه إنه نشأ في طاعة الله ويدبجون القصائد في التغني بكرمه وكراماته.
قبل عامين جاء سماسرة عقار إلى الشاب محمد ولد عمر الأوجفتي وعرضوا عليه شراء منزله بثلاثين مليون أوقية (حوالي مئة ألف دولار) على أجل سنتين، بينما لا يتجاوز سعره الحقيقي نصف هذا المبلغ.
وعندما استفسر منهم عن سبب عرض هذا المبلغ الكبير، كان ردهم بأنهم يمثلون الولي الصالح الشيخ علي الرضا الصعيدي وأنه بحاجة للعقارات لبيعها بثمن منخفض لتوفير السيولة في انتظار استلام حوالات من الخليح.
يروي للجزيرة نت أنهم حدثوه بإسهاب عن فضل الشيخ وصلاحه وأنه اختار التعامل مع المواطنين من أجل أن يستفيد الناس ويعم الخير، بدل الاقتراض من البنوك الربوية.
وقع في حبالهم، وسلمهم عرق جبينه، وعاد للسكن في بيت أبويه رفقة زوجته في انتظار حلول أجل الدين وشراء منزل جديد.
ولي بالسوق
لكن المدة انقضت منذ أربعة أشهر، وانضم الأوجفتي إلى مولاي وزينب وهند وتسعة آلاف آخرين باعوا منازلهم للشيخ الصعيدي بأثمان باهظة لأجل، وباعها هو لآخرين نقدا وتصرف في أثمانها، ثم نبذهم في العراء.
قبل عشرة أعوام اقتحم الشيخ علي الرضا بن ناجي الصعيدي سوق العقارات في نواكشوط وكان يرتدي عباءة الشرف والدين ويبشر الناس بالثراء، فصدقه البسطاء وتغاضت عنه السلطات، مما تسبب في نكبة اجتماعية واقتصادية تهدد استقرار البلاد.
يشتري الشيخ المنزل بضعف سعره الحقيقي على أن يسدده بعد مدة محددة، وعلى الفور يبيعه نقدا بنصف سعره الحقيقي.
ووفق هذه الممارسة يشتري الشيخ المنزل لأجل بعشرين مليونا بينما قيمته في السوق عشرة ملايين فقط، وبعد إتمام العقد يبيعه بخمسة ملايين
الدين والحليب والسراب
استمر علي الرضا فترة في قضاء الدين، ولكنه فاجأ دائنيه العام الماضي بتسجيل صوتي يقول فيه إنه لا يملك سوى ناقتين وأنه ينوي بيع حليبهما من أجل تحصيل المبالغ المستحقة.
يومها اكتشف الدائنون أنهم أمام “سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”. لم يحصلوا على ديونهم ولم يستطيعوا استعادة عقاراتهم فقد بيعت وسجلت بأسماء آخرين.
ووفق أرقام أعلنها مكتب دائني الشيخ الرضا، فإن الديون المستحقة عليه تبلغ مئتي مليون دولار أميركي.
وتشير وثائق مسربة إلى أن بعض العقارات آلت ملكيتها لنافذين وبعض أفراد عائلة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز.
ولم يتسن للجزيرة نت التأكد من صحة هذه الوثائق، ولكن المؤكد أن السلطات الحكومية تغاضت عن سلوكيات الرضا إلى أن شرَد آلاف الأسر.
وحتى الحين لم يعتقل الرجل، بل على العكس تحرسه فرقة من قوات الأمن تمنع الدائنين من اقتحام السياج المضروب على بيته.
ولأكثر من سنة واصل الدائنون التردد على القرية مطالبين بمقابلة الرجل الذي شرد عوائلهم، ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل
معلقون بين رئيسين
وفي الفترة الأخيرة أخذت الأمور منحى أكثر خطورة وجدية، إذ يخشى الدائنون من رحيل نظام ولد عبد العزيز منتصف العام الحالي دون حل لقضيتهم.
وأساس هذه المخاوف أن علي الرضا على صلة وثيقة بالنظام، ويُتهم بأنه يعمل لصالح بعض النافذين وأن السلطات تتحمل المسؤولية تجاه تصرفاته، ويتوجس الدائنون أن يدفع الرئيس المقبل بأن هذه الكارثة حصلت في عهد سلفه وأنه لا يتحمل تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
لكن السلطات حاليا ليست في سعة تمكنها من علاج قضية بهذا الحجم، إذ شهدت الفترة إفلاس بعض الشركات المهمة وسط ارتفاع الدين، إلى جانب الانشغال بالتحضيرات للاستحقاقات الرئاسية في يونيو/حزيران المقبل.
وفي مؤشر على أن الاحتقان بلغ ذروته، أطلق أحد الدائنين النار على منزل الشيخ الرضا، فرد مريدوه بضربه مما أدى لنقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
ووفق الصحف المحلية فإن الدائن يدعى ولد صمب وإنه أطلق النار بعد شعوره باليأس في ظل رفض الشيخ ووكلائه قضاء دينه أو الحديث معه على الأقل.