منذ توليه السلطة في أغسطس 2019، اتبع الرئيس محمد ولد الغزواني استراتيجية سياسية متوازنة تهدف إلى احتواء المعارضة التقليدية في موريتانيا، عبر مزيج من الحوار المفتوح، التوافق السياسي، واستباق الأزمات المحتملة، ما ساهم في تهدئة المشهد السياسي وتقليل حدة التوترات.
أولى الرئيس غزواني أهمية كبيرة للحوار مع أحزاب المعارضة التقليدية، حيث عقد لقاءات دورية مع زعماء المعارضة، منها اجتماع مع مؤسسة المعارضة الديمقراطية برئاسة حمادي ولد المختار، ناقشوا خلاله قضايا هامة مثل الهجرة والفساد والإلحاد، في إطار تحضير لحوار سياسي شامل.
كما شهدت الفترة الأخيرة توقيع “الميثاق الجمهوري” في سبتمبر 2023، الذي جاء ثمرة حوار استمر لنحو تسعة أشهر بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة التقليدية مثل “اتحاد قوى التقدم” و”تكتل القوى الديمقراطية”.
هذا الميثاق وضع خارطة طريق لتعزيز مشاركة المعارضة في العملية السياسية، مع ضمانات لتحقيق الوحدة الوطنية وتعزيز الحكم الرشيد.
في ظل نتائج الانتخابات التشريعية والجهوية والنيابية التي جرت في مايو 2023، والتي شهدت فوزاً كبيراً لحزب الإنصاف الحاكم وتراجعاً للأحزاب المعارضة التقليدية، تبنى النظام نهجاً استباقياً لتفادي أي أزمة سياسية قد تنجم عن هذا التراجع. إذ حرص على فتح قنوات تواصل مع المعارضة التقليدية لتفادي فراغ سياسي قد تستغله قوى أخرى، خاصة المعارضة الإسلامية أو التيارات الشبابية الجديدة.
كما استهدف النظام تهدئة الأجواء السياسية وإفساح المجال لأحزاب المعارضة المعتدلة، في ظل تحولات متسارعة في المشهد الإقليمي والأمني.
كان من بين دوافع انفتاح النظام على المعارضة التقليدية، محاولات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للعودة إلى المشهد السياسي عبر دعم أحزاب المعارضة، وخصوصاً تلك ذات الصبغة الإسلامية، ما شكل تحدياً للنظام الحالي. لذلك، سعى ولد الغزواني إلى احتواء المعارضة التقليدية وإفساح المجال لها لتكون شريكاً في العملية السياسية، مما حد من فرص استقطاب المعارضة الإسلامية أو القوى المعارضة الأخرى.
رغم هذه الجهود، لم تحظى مساعي النظام بالإجماع داخل المعارضة، حيث شهدت الوثيقة الموقعة تشرذماً بين الأحزاب المعارضة التي اعتبرتها غير كافية، خاصة في معالجة ملفات الفساد وحقوق الإنسان، كما رفضت بعض الأحزاب الموالية الوثيقة لاعتبارات تتعلق بالثوابت الوطنية.
كما عبرت بعض قيادات المعارضة التقليدية، مثل النائب بيرام ولد الداه ولد اعبيد، عن تشاؤمها من الحوار المرتقب، معتبرةً أنه يخدم أجندة النظام ولا يلبي مطالب المعارضة الحقيقية.
نجح الرئيس محمد ولد الغزواني في احتواء المعارضة التقليدية عبر استراتيجية متكاملة تجمع بين الحوار المفتوح، التوافق السياسي، واستباق الأزمات، مما ساهم في تهدئة المشهد السياسي الداخلي وتقليل حدة التوترات قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة. ومع ذلك، يبقى نجاح هذه الاستراتيجية مرتبطاً بقدرة النظام على الاستجابة لمطالب المعارضة الحقيقية وتحقيق مصالحة سياسية شاملة تتجاوز الحسابات الضيقة.