قطاع الثقافة في موريتانيا…آمال تتحقق من صميم التعهدات ! / أحمد بن باب أحمد بن حم الأمين
الثقافة هي: نِتاجٌ إنساني – في مجالات الأدب والفن والفكر- تجعل لكل مجتمع سِمة خاصة به تميزه عن غيره، كما تعتبر وسيلة تُحسِّن وضع الانسان ليستطيع مواكبة التغيرات الحاصلة في مجتمعه أو بئته.
فأهمية الثقافة بالنسبة للمجتمع تتجلى في كونها عاملا حيويا في البناء والتنمية، فهي تحقق للفرد الشعور بالانتماء والأمان، كما أنها تفتح له قنوات التواصل مع الآخر ليتمكن من فهم العادات والتقاليد، فيصفو العيش المشترك، الذي يُفضي إلى التلاحم والألفة والمحبة بين مختلف الأعراق والأجناس.
وبما أن موريتانيا عرفت حضاراتٍ عديدةً، ضاربةً في القدم وقامت على أديمها امبراطوريات عتيدة، فقد امتزج إرثها الحضاري مع تأثيرات المناخ المتقلب، والتغوُّل الصحراوي الهائج؛ ليُنتج ثقافة عربية افريقية، يطبعها التنوع والتجانس والتكامل .. تتعانق فيها سهول الضفة مع كثبان المحيط، ومجاباتِ الصحراء مع الظِّرابِ والآكام. التي تتوزع بين ركامها المتناثر حواضرعتيقةٌ كانت إلى وقت قريب تمثل مشعلنا الوضاء، ورمز هويتنا وأصالتنا ومنارة اهتدائنا وإشعاعنا.
وأمام هذا التنوع الثقافي والبيئي المطمور في الجغرافيا، والمستنشق لعبق التاريخ، والذي يرمز لوحدة المشترك الوطني؛ تتجلى استراتيجة القطاع الوطني المكلف بالثقافة؛ فمن خلال فهم القائمين علي الشأن العام لتلك المقاربات الغنية المستخلصة من عصارة الفكر الإنساني في هذه الربوع. أسَّس فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رؤيته للثقافة في تعهداته الانتخابية حيث يقول:
“إن موريتانيا الغنية بتنوعها العرقي، يجب أن تكون فضاء للتسامح والسلم والإزدهار. من أجل ذلك يتعين أن تنال الثقافة – التي هي حيز التعبير بامتياز عن الهوية والخصوصية – المكانة اللائقة بها. وأن نجعل من التنوع الميزة التي تعزز الوحدة بِـغـرسِ ما يجمعنا لا ما يفرقنا….. إن التنوع العرقي والثقافي ثروة لا تقدر بثمن إذا استطعنا أن نجعل من التعدد الخصب الذي يتيحه التمازج الثقافي أداة للوحدة واللحمة الاجتماعية” انتهى الاستشهاد.
ونظرا إلى أن حقيبة الثقافة حقيبة مُثقلة باهتماهات أخرى قد لاتقل أهمية – وعلى الرغم أيضا من الإكراهات الوبائية الضاغطة – فقد شهد قطاع الثقافة في الآونة الأخيرة قفزة نوعية في تنفيذ سياسة الحكومة في هذا المجال، بفعل الحنكة ووضوح الرؤية التي يتحلى بها معالي الوزير المكلف بالقطاع الدكتور: المختارولد داهي، ومُؤازِرِهِ الناصح، الكاتب العام للوزارة، السيد محمد ولد اسويدات، حيث أخذا علما بجسامة المسؤولية، وحجم الواجب، ودقة الظرف، فوصلا ليلهما بنهارهما في جو من الانفتاح، وتغليب المصلحة العامة، واضفاء جو التهدئة والسكينة والوقار. تجسدت تلك الإجراءات من وجهة نظر المراقبين الى تحويل القطاع الوزاري بشكل عام والثقافة منه بشكل خاص إلى ورشات عمل وتشاور واستصلاح، وميادين انتاج، وتصالح وإصلاح، ويتضح ذلك في عشرة أرقام سجلت في خريف هذا العام:
لعل أول إصلاح قِيم به؛ تبيَّن في تصحيح اختلالات الاتحادات الثقافية الموازية فتم وضع حل لمشكلاتها المزمنة، فكان من أهم ذلك طي صفحة الخلاف التي كادت تعصف باتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، حيث تم الاتفاق على خارطة طريق يُنشأ بموجبها اتحاد عام منبثق عن هيئتين منفصلتين واحدة خاصة بالأدب الشعبي والأخرى بالأدب الفصيح. وتم انتخاب هيئاتهما بكل حرية وانسيابية.
كماتم إطلاق العنان لفعاليات الرماية التقليدية التي تدخل في الشق الثقافي لبرنامج فخامة رئيس الجمهورية، حيث تم ترسيم لجنة مؤقتة لتسييرها برئاسة الأمين العام للوزارة، تعكف على تنفيذ المنافسات السنوية المبرمجة والاشراف على تجديد هييئات وهياكل الاتحادية الموريتانية للرماية التقليدية.
وعلى صعيد السياحة الثقافية؛ تمت إعادة صياغة مهرجان المدن القديمة بما يستجيب للأهداف المرجوة منه وهي تنمية الحواضرالتاريخية وتثمينها. ولأجل ذلك قررت الحكومة إعادة تأسيس المهرجان، في حلتة الجديدة الموسومة بــ “مدائن التراث” ليخرج من دائرة الروتين والاجترار، الى رحابة التنوع والابتكار، ومن أجل تمهين حكامة المهرجان ستشرف على تنظيمه وانعاشه شخصية وطنية ذائعة الصيت في المجال الثقافي، إضافة إلى ترسيخ المعيارية في اختيار المشاركين مع توسيع دائرة المهرجان ليشمل البعد الاقليمي لاستعادة الألق الثقافي لموريتانيا.
وفي إطارالنهوض بالعمل الثقافي تم عرض الخطة الاستراتيجية الثلاثية (2022-2024)، (ذات الأبعاد الأربعة) ففي بعدها الأول: تم الإعلان عن بناء قصر للثقافة ونُصب ثقافي كبير في انواكشوط، إضافة إلى إنشاء مركبات ثقافية في عواصم الولايات، ثم المقاطعات لا حقا. أما البعد الثاني فيتعلق بالعمل على الولوج إلى البرامج الثقافية الكبرى، كاستضافة بلادنا للعواصم الثقافية العربية والإسلامية وتنظيم المعارض الدولية، والمهرجانات المتخصصة في المجالات الثقافية بمختلف أصنافها؛ كمهرجان الضفة ومهرجان المديح، وغيرهما. كما أن الخطة تشتمل على بُعدٍ ثالث يهتم ببناء الإنسان الكفء القادرعلى القيام بمسؤولياته في خدمة الثقافة والتعاطي مع الشركاء الثقافيين (الإطار القانوني والمؤسسي)، أما البعد الأخير فيختص بالأنشطة والفعاليات الثقافية وفنون الأداء في مجالات الأدب والفنون الجميلة والتراث.
وفي المجال التربوي وطبقا لتعهدات فخامة رئيس الجمهورية يعمل قطاع الثقافة حاليا على إدراج بعض النصوص المتعلقة بالتراث في المناهج التربوية وذلك بالتنسيق والتشاور مع القطاعات التربوية المختصة.
وفي مجال حماية التراث الثقافي، تم إشراف القطاع على اختتام (مشروع التدريب على مكافحة الاتجارغيرالمشروع بالممتلكات الثقافية في موريتانيا)، وفي هذا الصدد أكد معالي الوزير الدكتور المختار ولد داهي، على ضرورة الاستفادة من النتائج التي تم التوصل لها حول صيانة التراث مع المحافظة على استمرارية المشروع. حيث أن بلادنا تزخر بمقدرات تراثية هائلة بحكم كونها تعتبرمهدا للعديد من الحضارات الإنسانية في مراحل مختلفة من التاريخ، من بينها مملكة غانا، و دولة المرابطين، وهو ما يستوجب منا صيانة ممتلكاتنا الفكرية، ومحاربة الاتجار بها، من خلال إعداد ترسانة قانونية ، وتكوين المصادر البشرية المؤهلة.
وفي سياق متصل أشرف القطاع المكلف بالثقافة بالتعاون مع (منظمة الألسكو) على تنظيم الدورة الخامسة والعشرين لــ (مؤتمر الآثار والتراث الحضاري في الدول العربية) تحت شعار : “الأمن الأثري في الوطن العربي” والذي استلمت بلادنا رئاسته من تونس، ويبحث آخر المستجدات في مجال حفظ وحماية الآثار والتراث الحضاري الإنساني للدول العربية من خلال تبادل الخبرات والآراء بين المسؤولين في المشهد الثقافي والمختصين في علوم الآثار. وقد جاءت في البيان الختامي للمؤتمر مجموعة من التوصيات، شملت: من الناحية التشريعية، التأكيد على ضرورة تعزيز النظم الجزائية والإدارية والمدنية بالنظم التشريعية الوطنية، أما من الناحية الحقوقية، فقد فرضت وجوب ترسيخ اعتبار الحق في الممتلكات الثقافية كحق من حقوق الإنسان ونشر التوعية بين كل الشركاء، وبخصوص الجانب التقني، نبهت التوصيات إلى اتخاذ التدابير الفعالة من أجل منع نقل الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، والحض على الحماية والحراسة للمواقع الأثرية والمتاحف على الصعيد الوطني، وتعزيز عمليات الجرد والتوثيق، وتكريس مبدأ المشاركة في مجال حماية التراث.