شهد عام 2016 معارك سياسية ضارية بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومنتدى المعارضة الذي يضم أحزابا وازنة وشخصيات مرجعية ونقابات مركزية.
وكانت أبرز هذه المعارك التي لم تهدأ، معركة دوريات الرئاسة وتعديل الدستور والحوار السياسي.
وكان الحوار الوطني الشامل الذي نص عليه اتفاق داكار 2009 السبب في تجاذب كبير لم يتوقف طيلة السنة، حيث عقدت لقاءات متعددة بين الوزير الأمين العام للرئاسة المكلف بملف الحوار، والرؤساء الدوريين لمنتدى المعارضة، استمرت طيلة الأشهر الأربعة الأولى من السنة، وظلت المعارضة فيها متمسكة باشتراط كتابة محضر بحصيلة ما سيتفق عليه لعدم ثقتها في الطرف الحكومي، كما ظلت الحكومة رافضة للفكرة داعية المعارضة للالتحاق بالحوار دون شروط.
وفي خضم هذه المعركة، طفا على السطح عامل تجاذب جديد هو قضية تعديل الدستور لفتح مدد الرئاسة المحددة فيه بولايتين، بعد أن ألمح وزراء أمام البرلمان بضرورة تعديله للسماح للرئيس محمد ولد عبد العزيز بدورات إضافية لإكمال برنامجه، وزادت هذه المطالبة الساحة السياسية اشتعالا وجدلا غير مسبوقين.
وبينما كان الصراع على أشده، فوجئ الرأي العام بحسم الرئيس محمد ولد عبد العزيز لقضية الحوار من جانب واحد، حيث أعلن في الرابع من أيار/مايو عن قراره تنظيم حوار سياسي بمن حضر، في خطاب شكك خلاله في وطنية معارضيه.
وهكذا نظم الحوار مستهل تشرين الأول/أكتوبر واستمر ثلاثة أسابيع، بحضور ممثلين عن الأغلبية ومنشقين عن المعارضة، وأطياف واسعة من المجتمع المدني المقرب من السلطة.
وكانت المفاجأة الأخرى التي باغت بها الرئيس ولد عبد العزيز، الساحة السياسية، هي إعلانه عكسا لما راج على نطاق واسع، في ختام جلسات الحوار وفي خضم جدل كبير، أنه لن يعدل الدستور ليترشح لدورات خارج ما ينص عليه الدستور.
لكن إعلان الرئيس هذا رغم وضوحه، لم يقنع المعارضة التي احتفظت بشكوكها إزاء نيات الرئيس ولد عبد العزيز المتعلقة بالتمسك بالسلطة بطريقة أو بأخرى في انتخابات 2019.
وتمخض الحوار الوطني عن أجندة سياسية واسعة، أكد النظام أنها إصلاحات سياسية وتنظيمية مهمة وضرورية لترسيخ التجربة الديمقراطية، بينما رأت المعارضة أنها «من التخبطات الأحادية لنظام الرئيس ولد عبد العزيز».
وتضمنت الأجندة السياسية الجديدة التي تمخض عنها الحوار والتي تحول التجاذب السياسي إليها تنفيذا هنا ورفضا هناك، عن قضايا أهمها تنظيم استفتاء مستهل العام لإقرار تعديلات دستورية وتأسيس مجالس جهوية للتنمية بديلاً عن مجلس الشيوخ الذي تقرر إلغاؤه، وتوسيع النسبية في الانتخابات العامة ومراجعة تشكيلة وصلاحيات هيئات الرقابة على الانتخابات ومراجعة تشكيل وصلاحية المحكمة الدستورية.
ونص الاتفاق على تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية والجمعية الوطنية لضمان التوازن بين السلطات ومراجعة المدونة الانتخابية لجعلها محل إجماع أكبر وأكثر مواءمة لمتطلبات الديمقراطية من خلال تنظيم انتخابات بلدية ونيابية سابقة لأوانها.
وتضمنت نتائج الحوار كذلك إجراء بعض التحسينات على العلم الوطني وتغيير النشيد الوطني ليتضمن شحنة من الوطنية وتثمينا لرموز الدولة.
ورفضت المعارضة في بيان مطول وخلال مسيرة كبرى نظمتها في العاصمة الأجندة التي تمخض عنها الحوار، ما سيجعل التجاذب حولها، الملف الساخن الرئيسي الذي ستلقيه السنة المنصرمة على أختها المستهلة.
وفي 2016 أظهر شخصيتان بارزتان من أقرباء الرئيس ولد عبد العزيز هما الرئيس الأسبق علي ولد محمد فال، ورجل الأعمال البارز محمد ولد بوعماتو معارضتهما الشديدة لقريبهما الرئيس الحالي.
وشن ولد محمد فال حملة سياسية وإعلامية في وسائل الإعلام الدولية (الفرانكفونية خاصة) ضد الرئيس ولد عبد العزيز وأطلق عليه لقب «الضابط المتمرد» ودعا لإنقاذ موريتانيا من حكمه، ولم يبخل ولد بوعماتو في تأليب شركاء موريتانيا الدوليين على نظام ولد عبد العزيز.
وشهدت السنة صدامات قوية بين نظام الرئيس ولد عبد العزيز وحركة مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية «إيرا» الناشطة في مجال مكافحة الرق والتي يرأسها الحقوقي المعارض بيرام ولد اعبيد.
وأطلقت المحكمة العليا الموريتانية سراح ولد الداه في أيار/مايو الماضي بعد سجنه لمدة سنتين، ليتحول إلى الصف الأمامي لمعارضي الرئيس حيث قام بعد تحريره بجولة إعلامية وسياسية شملت بلدانا افريقية وأوروبية عديدة خصصها لانتقاد نظام الرئيس محمد ولد العزيز واتهامه باحتضان الرق والتغاضي عن ممارسته.
واعتقل الأمن الموريتاني نشطاء حركة «إيرا» في حادثة صدام مع الشرطة وحوكم ثلاثة عشر عنصرا منهم وسجنوا ثم أطلقت محكمة الاستئناف سراح عشرة منهم وخففت الأحكام عن الباقين وادعوا أنهم «عذبوا» ما أثار زوبعة لم يهدأ غبارها لحد اليوم.
وكانت 2016 سنة قذف محمد الأمين الشيخ الوزير الناطق الرسمي الحكومي بالحذاء احتجاجا من الإعلامي الشاب الشيخ باي محمد على ما قال إنه «كثرة كذب الوزير» وحكم على الشاب بثلاث سنوات سجن نافذ وسط تعاطف واسع من المعارضة ومن هيئات الدفاع عن حقوق الإنسان.
وجاءت المطالبة بإعدام الشاب محمد الشيخ امخيطير المتهم بكتابة مقالات تسيئ للنبي عليه الصلاة والسلام والذي حكم عليه بالإعدام حدا، لتشكل حدثا بارزا آخر من أحداث 2016 حيث تظاهر الآلاف من المنتصرين للنبي عليه السلام ونددوا بمحامي الدفاع عن الشاب ولدفع قضاة المحكمة العليا لتأكيد حكم إعدامه.
وشهدت السنة المنصرمة أيضا زيارات لمفوضي الأمم المتحدة المكلفين بقضايا وملفات الرق والتعذيب للتحقيق في هذه الجوانب التي تؤكد هيئات حقوقية موريتانية وجودها بينما تنفي الحكومة وجود أي حالة تعذيب أو استرقاق.
وانشغلت الساحة الموريتانية خلال السنة المنقضية أيضا، بالقبض على أكبر عصابة لتهريب المخدرات ومحاكمتها في ظرف ملتهب بالاتهامات المتبادلة بين نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز وخصومه.
وعلى مستوى آخر، كانت 2016 سنة معركة كبرى بين الحكومة والمعارضة حول سعر المازوت حيث رفضت الحكومة تخفيض سعره تبعا لانخفاضه على المستوى الدولي، بينما اعتبرت المعارضة أن هذا الرفض «طريقة تنهجها الحكومة لتحصيل أموال على حساب المواطن المنهوك بالغلاء».
وفي الجانب الاقتصادي، شهدت تم الإعلان عن انطلاقة الاستراتيجية التنموية الوطنية للفترة ما بين 2017/2030 والتي تتركز على ثلاث رافعات أساسية أولاها تحقيق نمو سريع والثانية تأهيل الكادر البشري والثالثة وضع آليات نظام حوكمة شفافة.
وعلى المستوى الدبلوماسي، في2016 استضافت موريتانيا القمة العربية السابعة والعشرين، تلك الاستضافة التي أثارت لغطا كبيرا بخصوص قدرة موريتانيا على استقبال وتأمين المشاركين وحول مستوى المشاركة فيها وأخيرا حول نتائجها التي اعتبرتها الحكومة غير مسبوقة وأجمع الكثيرون على أنها لم تخرج عن سياقات القمم العربية الباهتة.
ولم تشهد علاقات موريتانيا مع جوارها المغاربي أي جديد حيث ظلت العلاقات مع الجزائر على حالها، فيما ازداد التوتر في علاقات الرباط ونواكشوط بعد عملية التطهير المثيرة التي قامت بها المغرب في منطقة الكركارات الحدودية بين موريتانيا والصحراء، تلك العملية التي دفعت البوليساريو لحشد قواتها في المنطقة الحدودية وإقامة نقطة للتفتيش.
وتحدثت مصادر إعلامية مغربية عن سماح الحكومة الموريتانية للجيش الصحراوي بالوصول لبلدة لكويره الواقعة على ضفاف الأطلسي قرب مدينة نواذيبو الموريتانية والتي تسيطر عليها القوات الموريتانية في انتظار الحل النهائي لقضية الصحراء، ويعتبرها المغرب جزءا من صحرائه بينما يرى الصحراويون أنها جزء من ترابهم الوطني.
وعلى مستوى الجوار الافريقي، لم يحدث تطور كبير في علاقات موريتانيا مع مالي بينما تحدثت الأخبار عن توتر في العلاقات مع السنغال بسبب تلكؤ موريتانيا في تجديد اتفاقية الصيد وإقامتها لميناء عسكري وتجاري منافس.
وشهدت الأشهر الأخيرة من السنة الحديث عن توتر ملموس في العلاقات الموريتانية الفرنسية بعد بلاغات تحذير للسفارة الفرنسية أكدت انعدام الأمن في العاصمة نواكشوط.
وشهد العام تسريبات نشرتها أوساط استخباراتية أمريكية لاتفاق عدم اعتداء موقع سنة 2010 بين الحكومة الموريتانية وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ينص على التزام التنظيم بوقف عملياته في موريتانيا مقابل أن تدفع له الحكومة الموريتانية 30 مليون دولار.
ونفت الحكومة الموريتانية إبرام هذا الاتفاق متحججة بأن العاصمة نواكشوط تعرضت لاعتداء مسلح دبره تنظيم القاعدة سنة 2011.
وخلاصة ما يمكن استنتاجه من استقراء أحداث 2016 أنها كانت بالنسبة لموريتانيا، سنة ثقيلة حيث لم تشهد نهاية للتجاذب السياسي بين نظام الرئيس ولد عبد العزيز ومعارضيه، بل ازداد التجاذب فيها قوة، كما أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ظلت تراوح مكانها هي الأخرى.
وتؤكد المؤشرات أن 2017 ستكون سنة المواجهة الساخنة بين النظام والمعارضة لكونها ستشهد تنظيم الاستفتاء الشعبي المثير للجدل حول قضايا سياسية وتعديلات دستورية، كما أنها ستشهد أمرا مثيرا آخر هو تنظيم انتخابات نيابية وبلدية سابقة لأوانها.
فهل ستتمكن موريتانيا خلال العام الجديد من الخروج من أزمتها السياسية التي هزتها خلال السنة المنقضية، عبر تفاهم وطني يجعل انتخابات 2019 الرئاسية مناسبة لتناوب سلمي حقيقي ومستمر على السلطة بعد أكثر من ثلاثة عقود عاشتها تحت الانقلابات العسكرية، أم أنها ستكون كسابقتها، سنة لتراكم هموم أخرى؟