الخميس , أكتوبر 10 2024
الرئيسية / الثقافة / الشعر الحساني بين واقع الامتهان ومحاولات الاتقان

الشعر الحساني بين واقع الامتهان ومحاولات الاتقان

 

الشعر الحساني بين واقع الإمتهان و محاولات الإتقان

للشعر مكانته الخاصة في قلوب كل العرب، و في بلادنا علي وجه الخصوص، فإن له مكانة لم تستطع الفنون الثقافية الأخرى أن تصل إليها…

و لست من الذين يجعلون من المقارنة بين الشعر الفصيح و بين الشعر اللهجي مادة فكرية خصبة و موضوعا لنقاشات عقيمة لأن لغة الخطاب لا تعدو عندي كونها أداة تستمد جودتها من محتوي ما تشير اليه من معان و دلالات و لكني أقول جازما إن الجماعة العربية التي تعرف بالبيظان لها تعلق منقطع النظير بالنمط الشعري المسمي (لغنَ).

و لا غرابة في ذلك لأنه يعبر عن أحاسيسها و تفهم معانيه دون أي مجهود فكري.

و أخيرا و بعد موجة من الإضطرابات الفكرية و الإيديولوجية، فقد أدرك المثقفون الموريتانيون أن الهوية الوطنية لا يمكن الحفاظ عليها غير محصنة بالمميزات الثقافية لهذا البلد…

ومن ايجابيات هذا التوجه أن كل المثقفين في بلادنا أصبحوا اليوم مهتمين بآدابهم الشعبية و لكن الإيجابيات تصاحبها سلبيات لا مفر منها و من أهمها تحول الشعر الحساني من شعر نخبوي لا يجرأ علي ممارسته إلا من أهداهم المجتمع صفة “الفتي” التي لا تنال إلا بشق الأنفس، إلي شعر شعبي يوصف بالبراعة في فنونه كلُّ من فبرك كلمات لا ترقي بالضرورة إلي مستوي الخطاب الشعري.

و من الطبيعي أن تنمو هذه الظاهرة في غياب النقد البناء و عدم تقنين معايير التقويم.

و يزيد هذه الوضعية استفحالا أن وسائل الإعلام الرسمية – و هي التي يثق الناس بها أكثر من ثقتهم بغيرها من المصادر، نتيجة لعاملي البداوة و الإنبهار بكل ما هو تقني و جديد – لم تفكر يوما من الأيام في إنشاء هيئة رقابة علي ما يقدم عيرها بل أصرت طوال مسيرتها علي تقديم عشوائي لنصوص شعرية هي المثال الساطع للخلط بين الجيد و الرديء…

و في خضم عدوي الديمقراطية و شعارات “تساوي الفرص” فإن مقدمي البرامج لم يجدوا بُدا من انتداب قائمة من الشعراء المنحدرين من كل المناطق الموريتانية بحصص متساوية و بغض النظر عن تفاوتهم في جودة الإنتاج.

و غالبا ما يُقدم أولئك “المقدمون” نصوصا شعرية لإرضاء جهة ما…

و يمكن القول إن “الجهوية الثقافية” قد تجذرت بفعل “برامج الأدب الشعبي” التي يتصل بها المستمعون عبر الهواتف لطلب “شي لَهْـلْ المقاطعة الفلانية”… سواء في ذلك المذرذرة، عاصمة ايكيدي الثقافية أو تمبدغة، عاصمة الأدب في منطقة الحوضين أو بابابي التي لا يتحدث سكانها بالحسانية…

ويروج أولئك “الصحفيون” المعايير القبلية صراحة عندما يقدمون مثلا الشاعر ولد المبارك ولد اليمين كواحد من شعراء مقاطعة واد الناكه أو ولد محمد آسكر من مقاطعة كرمسين…و كان أولي بهم أن يقولوا إن الأول من “تاكنانت” و إن الثاني من “لغلال” لأن المقاطعتين المذكورتين أنشأتا بزمن طويل بعد وفاة هذين الشاعرين الذيْن كانت بلاد “البيظان” كلها مقاطعة لهما…

و قد نبهنا مرارا و تكرارا علي ما لهذا الإنحراف من خطورة بالغة علي حاضر و مستقبل الشعر، منطلقين من مسلمة مفادها أن مبدأ المحاصصة لا يمكن اعتماده في تناول العلوم الإنسانية…

وحاولنا أن نلفت أنظار الجميع إلي أن الأدب الموريتاني ملك لكل الموريتانيين من جميع الأعراق و القبائل و الجهات… و لكن مقالات ننشرها في الصفحات الداخلية من إحدي جرائد انواكشوط و نقاشات نجريها أحيانا مع بعض”المثقفين” لا وزن لها أمام الوسائل الرسمية و الآكادمية ذات التأثير المباشر و التلقائي علي قناعات الناس…

ومن جهة أخري، فقد ظهر باحثون آخرون يتعاملون مع الشعر تعاملا مثيرا للجدل و تعددت المراجع و الإحالات و أصبح كل من هب و دب بإمكانه أن يتبوأ المكانة الأدبية التي يريدها لنفسه بمجرد أن يكتب مقالا أو يقدم بحثا عن الشعر الحساني معتمدا علي ما يمليه عليه خياله الجياش أو علي بحوث سبقه لكتابتها “باحثون” آخرون يعتمدون نفس الأساليب التي يعتمدها هو.

وإننا، وإن كنا نحمل إذاعة موريتانيا جزءا كبيرا من المسؤولية عن هذه الخلبطة الثقافية، فإننا نعترف لها بجهود جبارة بذلتها في البحث عن شوارد الشعر الحساني و في تعليم مبادئه عبر الأثير…

ولا بد أن نقف هنا وقفة إجلال و تقدير و ترحم علي روح فقيد الأدب الحساني و عميده، المغفور له محمدن ولد سيد إبراهيم الذي قاوم و رابط من أجل حفظ الموجود و طلب المفقود و الذي لولا ما أبلاه من بلاء حسن لكانت نفائس من أمهات “لبتيت” قد تلاشت إلي الأبد… كما نلاحظ أن البرامج الإذاعية التي تعني بالأدب تشهد تحسنا الآن ملحوظا مصدره تفتح القائمين عليها و بحثهم المستميت عن الثقافة التي تجمع لا عن تلك التي تفرق…

ولا يفوتنا في نفس السياق أن نذكر أن الساحة الشعرية اليوم تعج بالمبدعين الأكفاء و تشهد تحولا ايجابيا تحدوه رغبة حقيقية في الرجوع إلي التراث الثقافي الأصيل … و لا يمكن أن نحصر أولئك المبدعين المتميزين في سن معينة أو في منطقة محددة من مناطق الوطن…

وخلاصة القول إن الشعر الحساني مهدد من طرف المتطفلين عليه و بعض الباحثين المفتقـرين لأدوات البحث و آدابه، أكثر من تهديده من طرف ندرة الشعراء أنفسهم و تراجع مستوي إنتاجهم… و لن يكون الشعر في مأمن من الإبتذال الذي يترصده إلا إذا تبنته هيئة رسمية قادرة و مصممة علي وضع خطة تهدف إلي حراسته ضد الأدعياء و المتشاعرين و بعض “كبار المثقفين” الذيـن يحرفونه حسب هوي الجهة التي “يتعاملون” معها.

وقد أردت أن أجعل من هذه الصرخة المدوية و التي لا تخلو من بعض الإطناب، مدخلا لمجموعة ذكريات مختلفة و أشعار مبعثرة كتبتها خلال العقود الثلاثة الماضية ( أي ما بين 1973 و 2007) و تتناول بعض الأغراض دون غيرها.

التسمية

يعرف الشعر الحساني بتسميات عديدة، لكل واحدة منها مدلولها الخاص و نذكر منها:

لغن و معناه الغناء بالفصحى

الموزون

الشعر الشعبي

الشعر اللهجي

وسنتناولها في ما يلي بشيئ من التفصيل:

لغن: هذه هي التسمية القديمة و يري البعض أن لها علاقة بالغناء الذي تمارسه احدي الفيئات الشعبية. و لا شك أن الشعر الحساني(1) لصيق بالغناء و أن القدماء كانوا يفصلون بهذه التسمية بينه و بين الشعر العربي الفصيح الأكثر منه نخبوية و الذي كانت تمارسه فيئات تبتعد شيئا ما عن الطرب و الغناء تحت ضغط ضرورة الحماية الروحية ضد القوة المسلحة.

و انطلاقا من ذلك، فإننا نرجح أن يكون “لغن” بدأ تعاطيه في المجتمعات الأكثر احتكاكا مع فيئات المغنين -أي ايكاون- و يتعلق الأمر هنا بالمجتمعات الحسانية التي تخلت في وقت ما عن اللسان العربي الأصيل و أصبحت تتحدث بالدارجة تاركة الشعر الفصيح للمجموعات التي كانت تتعاطي البربرية كلغة للتواصل.

و تجدر الإشارة هنا إلي أن هذه النظرية لا يمكن تعميمها علي الإطلاق لأن “لغن” كان يتعاطي في مختلف المجتمعات البيظانية و إن كانت أكثرية النصوص القديمة من إنتاج مجموعة معينة هي مجموعة بني حسان.

الموزون: تطلق هذه التسمية علي كل كلام مقفى و بذلك يستوي فيها الشعر الفصيح و الشعر الحساني. و هي تفرق أساسا بين النثر و بين الشعر. و لعل ذلك ما حدا بها إلي أن أصبحت في المفهوم العام دالة علي السبك اللغوي و جودة اختيار الكلمة المناسبة و وضعها في المكان المناسب بغض النظر عن المستوي الأدبي للنص.

الشعر الشعبي: مع بداية نمو الفكر القومي العربي و كردة فعل علي الرفض الذي قابل به إخواننا العرب ميلاد الدولة الموريتانية، ففد أصبح بعض الشباب الموريتانيين يتعاملون مع الشعر الحساني و مع كل ما هو “بيظاني” أصيل بقدر من الإمتهان و يرون في الإهتمام بتلك الخصوصيات سببا لعزلة البلاد عن الركب الثقافي في الأمة العربية…

و بلغ ببعضهم الحرص علي عدم التميُّز عن باقي الشعوب العربية حدودا غريبة جعلتهم يشـنون الحرب علي الدراعة و علي كلمة “ولد” المميزة “للبيظان” و علي العادات الغذائية، و يحرصون علي أن يستبدلوا هذه العبارات ببدائل من مفردات تستخدم في الشرق الأوسط أو في الخليج العربي.

و شرعوا في تعريب بعض الأسماء مثل “انواكشوط” التي تحولت الي “نوق الشط”… و حتى بعض الأسماء التي لا علاقة لها بالعربية كآبدجانه (Abidjan) مثلا، أصبحت علي ألسنة بعض مقدمي نشرات الأخبار يشار إليها ب “أبو دجانة”.

وقد سبق هذه المحاولات الإستنساخية ما عمل عليه المستعمر الفرنسي من محاولة طمس الهوية الموريتانية بكل الوسائل و هي المهمة التي أوكلها إبان رحيله إلي الطبقة المثقفة آنذاك أي “المتفرنسين” الذين قاموا “بواجبهم” علي أكمل وجه و أبدعوا في ابتذال كل ما هو “شعبي” و “عربي” علي حد سواء. و في جو كهذا، وجد الشعر الحساني نفسه في دائرة ضيقة و مجال ثقافي لا مكان له فيه إلا إذا رضي بالدونية و قبل وصفه “بالشعبية” التي لا يحسد عليها.

الشعر اللهجي:

يطلق الباحثون هذه التسمية علي شعر “البيظان” و هي تسمية أكثر إنصافا من غيرها لأنها تنسب هذا الشعر إلي اللهجة الحسانية دون أن تطلق عليه حكما أو تضعه في خانة يستشف منها عدم تبنيه بكل فخر و اعتزاز.

البحور الشعرية أو “لَبْتُوتَ”

ليس الهدف عندنا من هذا البحث سرد البحور الشعرية و تقديم قواعدها العروضية لأن ذلك العناء قد سبقنا لتجشمه باحثون أكفاء… و علي كل من أراد التعمق في قضايا “لغن” الفنية أن يعتمد علي ما توصلوا إليه من نتائج هامة.

لقد ارتأينا أن نقتصر علي ايراد بعض الملاحظات الشخصية لإنارة الدارسين و مساعدتهم علي حسن اختيار المراجع المناسبة لأن بعض المعلومات التي أصبحت اليوم في متناول الجميع تفتقــر كثيرا إلي الموضوعية و تركز علي شكليات لا تفيد المتلقين بل تصدهم عن الهدف المنشود.

إن اهتمام كثير من الشعراء و المتشاعرين و الذين نصبوا أنفسهم للتدريس و سخرت لهم كل وسائل التبليغ يكاد يكون منصبا علي سرد “لبتوتَ” أي بحور الشعر اللهجي دون أن يساعد ذلك المتلقي في اكتساب الموهبة الشعرية التي هو بحاجة اليها… و لا تفيده إلا بشحن رأسه بمسميات جافة و غالبا ما تكون من خيال مقدمها.

إن غالبية البحور الشعرية التي تتداولُ أسماؤها في الأوساطُ “الأدبية” ما هي إلا بحور نظرية، نادرة الإستعمال أو منقرضة منذ الأمد البعيد و لا يمكن لمروجيها أن يقدموا للمتلقي أكثر من نموذج أو اثنين منها.

فما هي الفائدة من شحن أذهان الدارسين بأسماء بحور لا يمكنهم طول حياتهم أن يسمعوا منها إلا قطعة أو قطعتين مثل “المشكل و الرمز و بت أثلات و اللام بوكر و الواكدي الزاحل” الخ…؟

إن المعضلة الكبري تكمن في حرص بعض الكتاب و الباحثين و مقدمي الإرشادات علي إظهار تمكنهم من الموضوع من خلال تقديم ما عندهم علي أساس أنه حقائق لا تقبل النقاش و لا يأتيها الباطل من بين يديها و لا من خلفها.

و في مواجهة هذه الوضعية، فإننا أنصح معدي الرسائل الجامعية و غيرهم ممن لا يريدون الإنجراف وراء الترهات أن يتحروا الدقة في ما يقرؤونه و ما يسمعونه و أن لا يصدقوا تلقائيا كل ما رأوه مكتوبا بحروف براقة علي صفحات كتاب أنيق… و علي سبيل المثال لا الحصر، فإن القائلين بشاعرية “بت الرمز” مثلا، لا يدركون أنهم يتلاعبون بالشعر أو يجنون عليه علي الأقل.

و إذا سألتهم عن قطعة شعرية في هذا البت، فإنهم سيقتصرون علي القُطَيْعَة الوحيدة التي يتداولونها منذ نعومة أظافرهم: فُمْ أُمْ نُمْ نينْ فُمْ زَيْنْ كلْ زَيْنْ فلْ عَيْنْ … فأين الشعر من هذا التهجي المفتعل و الخالي من المعني؟

و متي سيدرك مرددو “عند انتيٌَاكْ رَيْتْ إلٌ حَاكْ امْرَ مَجْعُولْ اعْليهَ هَوْلْ تَظْحَكْ و اتْگولْ رَظْعُ لعْجُولْ” أنهم لا يستطيعون تقديم نموذج آخر من هذا البت إلا إذا قرروا نسجه في الحين و عندها لن يخفي علي المتتبعين ما في إنتاجهم من التكلف و الإرتجال؟

و السؤال نفسه موجه إلي مرددي:

ذلٌلي عَادتْ بَاجْلي = = طَفْلَ مَا تُقَاربْ = = لَيْعتْهَ مَعْمُورَ= = منْ قَديمْ الزٌَمْانْ

منتْ أعْمَرْ ولْ اعْلي = = ولْ اعْمَرْ بُشَاربْ = = ولْ اعْل شَنْظُورَ = = ولْ أحْدْ منْ دَمَانْ.

إن هذا النوع من الأمثلة لا يخدم نظرية أحقية “بتْ المزارك” في أن يعتد به و أن يتعامل معه الشعراء تعاملهم مع “ابتوتَ اكْبَارْ” من أمثال “”! لبْتَيْتْ” و “البَتْ لَكْبيرْ” و “الرسم” و “لبٌَيْرْ” و “اسْغَيرْ تيگادْرينْ” و “امْرَيْميدَه” و “بُو عمْرَانْ.

و من جهة أخري، فإننا نستغرب المراجع التي يعتمد عليها القائلون بوجود ما يسمونه “امْرَيْميدهْ الْبَيْظَ ” و “امْرَيْميدهْ الْكَحْلَ” لأن الراسخ عندنا و عند من أدركناهم من أساطنة هذا الفن(2) هو أن “امْرَيْميدَه” هي “امْرَيْميدَه” فقط و لم نسمع أبدا عند المنظرين القدماء أنها تتلون علي شكل الحرباء ! ف”امْرَيْميدَه” لا تتطلب أكثر من شاعر مقتدر و بارع في فنية الإقتصاد في الألفاظ لينظم “تيفلواتن” من سبعة متحركين يلتقي في كل منها ساكنان بعد المتحرك الثاني.

و علي ذكر هذا “الْبَتْ”، فإن بعض المراقبين يعتبرون أن نهضته الحقيقية بدأت عندما استعمل لكتابة النشيدين المشهورين “الْخَيْرْ جَانَ بمْجيكُمْ” و “نشيد الكتاب” اللذين لاقيا استحسانا منقطع النظير في الأوساط الأدبية و أصبحا مثالا للنشيد الناجح حتي أن الشعراء اليوم لا يتصورون أنه بإمكانهم نظم نشيد من أناشيد الحملات الإنتخابية إلا في “بت امريميده”.

ومن المعروف أن هذا “البت” كان محصورا في الأوساط الشعرية علي أنظام قديمة في الفخر و “كفان” مبتذلة تنسب إلي حليف لقبيلة “مسومه” يدعي محمود… مثل:

ابْگيْتْ فالدٌَارْ انْكَوْكي = = و اجْرُوحْتْ الْخَدْ إبَانُ

و امْشَاتْ وَلْفي يَيَوْگي = = في اسْلاَمْتْ اللٌَه وُ مَانُ

والحقيقة أن “لبتوت” أكثر من أن يحصي بدقة و لكن أهمها علي الإطلاق هي: “ليتيت” و مشتقاته و “البت لكبير” و مشتقاته و ” تيگادرين” و مشتقاتها “بو عمران” و “تاطرات” و مشتقاتها و “امريميده”…

تاريخ النشأة

تختلف الروايات حول بداية نشأة الشعر الحساني…فمن قائل إنه بدأ مع دخول العنصر العربي إلي هذه البلاد إلي قائل إنه من إنتاج و إخراج قبيلة حسانية معينة… و تختلف الروايات و لا يستطيع مروجوها تأسيسها علي دليل عقلي أو نقلي.

و لن تكون هذه المحاولة أكثر من إماطة اللثام عن استنتاجات شخصية هي ثمرة لعقدين من البحث المجرد من كل الأحكام المسبقة و الحلول الجاهزة.

ففي هذا الصدد، نري أن الشعر الحساني (أو شعر البيظان أو لغن) لا يمكن أن تستخرج له بطاقة ميلاد كتلك التي تستجرج للمواليد في مكاتب البلديات… و لا يمكن لأي باحث أن يحدد تاريخ نشأته و لا محلها لأن الشعر تعبير عن المشاعر و المشاعر تةلد مع الإنسان و ترافقه في حله و ترحاله و لا يتجرد منها في لحظة من حياته.

لذا، فإن القادرين علي تحديد بداية تواجد العنصر البشري علي هذه الربوع هم وحدهم القادرون علي تحديد تاريخ ميلاد الفنون الجميلة المصاحبة للإنسان كالشعر و الموسيقي الخ…

و نجد نفس الإشكالية في الشعر الفصيح الذي أعجز الباحثين إدراكُ تاريخ نشأته و إن كانوا متفقين علي أن أقدم نصوصه من شعر امرئ القيس… و لكن هذا الإتفاق يزيد الأمور تعقيدا أمامهم لأن امرئ القيس نفسه يقول في إحدي روائعه:

عوجا على الطلل المُحيل لأننا = = نبكي الديار كما بكى ابن حِذامِ

فمن هو هذا الشاعر الذي يأتم به امرؤ القيس و يعترف له بفضل السبق في البكاء علي الديار؟

و لسنا هنا لحل هذا اللغز و لكن التطرق لبعض ما قيل حوله كفيل بدعم مقولتنا إن الحقيقة صعبة المنال في المجالات الإنسانية.

و من تلك الأقاويل، نقف مع ابن سلام الشهير الذي يقول فيه : ” وهو رجل من طيّئ لم نسمع شعره الذي بكى فيه ولا شعراً غير هذا البيت الذي ذكره امرؤ القيس(3)”.

و حتي أنهم يختلفون في ألفاظ البيت المذكور و في اسم ابن حذام إذ يروي بعضهم أن امرؤ القيس إنما قال:

عوجا على الطلل المُحيل لأننا = = نبكي الديار كما بكى ابن خَذامِ

وقال آخرون بل قال:

يا صاحبي قفا النواعج ساعةً = = نبكي الديار كما بكى بن ُحُمامِ

لكن آخرين رووه:

عوجا على الطلل القديم لعلنا = = نبك الديار كما بكى ابن حُمامِ

وكثر الاختلاف في اسمه فقالوا: ابن حِذام وابن جَذام، وابن حُذام وابن خذامِ، وابن خِدام، وابن حُمام، وابن الحُمام. ويروون عن ابن الكلبي أنه قال : ” أول من بكى الديار امرؤ القيس بن حارثة بن الحُمام، وإياه عنى امرؤ القيس.”(4)

وعن عمر بن شبة أن أبا عبيدة قال: وأنشدنا الوثيق لابن خِذام بيتاً واحداً:

كأني غداة البين يوم تحمَّلوا = = لدى سَمُراتِ الحيِّ ناقف حنظلِ

وهذا البيت يروى في قصيدة امرئ القيس(5).

وفي جهد متميز للدكتور محمد شفيق البيطار في حلِّ هذه الإشكالية العويصة ارتضى نسبه كالآتي: “هو امرؤ القيس بن حُمام – واسمه حارثة بن عبيدة بنِ هبل الشاعر ابن عبد الله بن كنانة ابن بكر بن عوف بن عُذرة بن زيد اللات بن رُفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة(6).” إذن، فلا فائدة من تتبع أقوال الأقدمين لأنها لن توصلنا إلي حقيقة علمية لا جدال فيها. و بالنسبة للشعر الحساني، فإن أمامنا “كافْ” قديم يبدو من محتواه أنه نظم في عهد قبائل تشير كل القرائن التاريخية إلي أسبقيتها لبني حسان – و هم حسب المؤرخين- آخر دفعة عربية الأصل وفدت إلي هذه الربوع قادمة من الجزيرة العربية بعد أن استقرت برهة من الزمن في شمال المغرب العربي.

و “الگاف” المذكور هو:

دُومِسْ و ازَايِزْ بِدْرَگْ = = وُ طَارِفْ علاَّمْ وُ زِيزَ

گطْ انْزِلْهُمْ جَمْعْ افْتْرًَكْ = = سَابگْ فرْگانْ اعْزِيزَ.

و انطلاقا من هذه الملاحظات و تفاديا للتلفيق المخل بمصداقية البحث، فإننا نستنتج أن الشعر الحساني امتزجت فيه علي مر التاريخ مكونات من ثقافات العرب الوافدين علي هذه الربوع و السكان الأصليين الذين احتفظوا بلا شك ببعض مميزاتهم و إن كانوا قد أذعنوا لثقافة الغالب.

و ليس أمامنا في هذه الحالة إلا البحث عن أقدم النصوص التي وصلت إلينا من ديوان الصحراء الغارق في النسيان و التلف.

و هنا يكاد الباحثون يتفقون علي أن أقدم هذه النصوص تشبه إلي حد بعيد تركيبة البيت العربي الفصيح، مثل قول الشاعر: مَزْيَنْ نَجْعْ اعْرَبْ عُگبْ اللَّيْلْ سَارِ = = زَجْعْ امَّالُ وَرمْ آكُوزْ وَارِ

سَلْفُو ازِزُّو فيهْ زَوْزَاتْ لِمْهَارِ = = حِجْبُو فالشَّمْسْ اشَعِشْعُو اظْوَاهَ

يِتْحَاوْصْ النَّبْعَاتْ فَوْهَامْ اصْحَار = = كِلْ رَيْظَ يتْحَاوْصُو امْهَاهَ

*****

نِحْلاَلْ أُمْ عَرْبِي يَنْزِلْ بِي اتْوَارِسْ = = واحْنَ نِنْذَكْرُو فَوْهَامْ مَادِسْ

لاَجَ لِمْعَيَّطْ فُمُّو بِالرِّيكْ يَابِسْ = = نَرِكبُو و نَفِزْعُو فَاثْرْ اللِّي اجْفَاهَ

وُ لاَ نْوَللُّو عَنء لَثْرْ ايلَ عَادْ دَانِسْ = = وُ لاَ نِنْتْرُو عَنْ عِكْدْ سَيْرْ اوُرَاهَ.

و يتضح من هذا الشعر أن منبعه عربي من حيث الشكل و المضمون و لكن ذلك لا ينبغي أن يجرنا إلي القطع بأن الشعر اللهجي عربي و أنه رأي النور مع دخول العرب لهذه البلاد لأن لدينا نصوصا باللهجة البربـرية تدعم الطرح الذي يتبني عكس ذلك. فهل نستنتج من ذلك أيضا أن الشعر اللهجي بربري النشأة ؟ لا …و ألف لا…

و بغض النظر عن العجز عن حل هذه الإشكالية المستعصية، فإنه يجب التركيز علي أن هذا النمط الشعري بلغ أوجه في عهد الإمارات الحسانية التي ولدت علي أنقاض التنظيمات السابقة لها و لاقي نفس الرواج في أحضان إمارة “إدوعيش” و هي الإمارة الصنهاجية الوحيدة التي لم تستطع قوة الفاتحين العرب دحرها.

و مما لا خلاف فيه أن الفنون الجميلة وجدت تربة صالحة في هذه الإمارات و “المشيخات” نتيجة لما وفرته قبائل الشوكة من ظروف مواتية للإبداع، و هو ما شجع وضع “الكلمة المناسبة في المكان المناسب و اللحن الجميل في الآذان الصاغية”.

و كمثال علي ذلك، فإن “أولاد أمبارك” الذين تواجدوا في شرق البلاد لا يعقل أنهم لم يجدوا أمامهم شعوبا تمارس نوعا من الشعر و الموسيقي و لكن لا شك أنهم حازوا الفضل في خلق الظروف المواتية لإزدهار و توسيع تلك الفنون إنشاء و عزفا و إنشادا حتي أصبحوا مضرب الأمثال في ذلك المجال… و ينطبق نفس الشييء علي الشعر الحساني الذي بلغ أوجه بشكل غير مسبوق في أمارتي اترارزه و إدوعيش حيث برز الشاعران إعلي ولد مانو و سدوم ولد انجرتو و هما أشهر الأسماء الشعرية في تاريخ “البيظان”…

فقد أبدع هاذان الشاعران في مجالات الفخر و المدح و خلدا إنتاجا شعريا يظهر قدرة فائقة في التحكم في فنون الكلام.

و قد رأي النور ديوانُ الشاعر سدوم ولد انجرتو الذي يزخر بروائع القصائد في مدح أمراء إدوعيش و أولاد امبارك و من أسلس و أروع ما قاله قصيدة يعاتب فيها “خشاشات الأرض” علي إثر لدغ حية للفارس المغوار بكار ولد أعمر … و يقول في مطلعها :

يَحْرَگْ لحْنُوشَ منْ عَنْدْ سَيْمَّانْ = = ايلَ كَيْشْكَاشَ وْ بُزرَّيْگْ

و يَحْرَگْ بونَيْنَ وْ يَحرْگْ اجْرَانْ = = و يَحرْگء آنْطيشْ وُ يَحرْگْ آوْسيگْ

و يَحْرَگْ خَبْخَاپَ امْ الْكرعَان = = و مُخيطْ لَرْضْ ازَلْفُو ابْلحْريگْ

و يَحْرَگْ لعْكگاربْ مَذَ منْ الْمانْ = = و العزَّ و الْمَزَّ و اصْديگْ

بعَْدنْ عَطْبُوهْ النَّاسْ ارْژَانْ = = فارْخَ مَا عَيْرتْ لمْخَاليگْ

لُ مضاتْ مَاتْلَيْتْ انْگودْ لَظْعَان = = وُ لاَتْلَيْتْ انْگولْ الْ مَخْلُوگْ گيگْ

و ازُوغْ ذَ كَامْلْ اعودْ تهْدَانْ = = و انْعَادلْ لعْدُ و انْعَادْلْ اصْديگْ

و انْتَمْ نحْملْ تَكْ الْبيظَانْ = = و الْهُمْ نَگْبلْ يَاسْرْ امْنْ اطْفيگْ

و ُبَعْدنْ گَوْمْ الظُّلْمْ و التّمْتَانْ = = رَاحْتْ امْنْ التَّكْ و منْ لخْنيگْ

و امْنْ القَتْلْ و اگليعْتْ الْحَيْوَانْ = = و الْعَكْسْ و اتْمضرْغيدْ و اتْژَعْگيگْ.

و من المعروف أن هذا الديوان يحتوي غلي روائع شعرية من أمثال “اتهيدينت نفرغ زينه” المشهورة…

أما ولد مانو، فإنه عاش في أكناف أمراء اترارزه و كان عطاؤه الشعري مدعاة لفخر هذه الإمارة التي ساهم بشكـل قطعي في بناء مجدها و فرض سيطرتها علي كل القبائل المحيطة بها. و نحن بصدد نشر ديوانه في وقت لاحق تحت عنوان “ديوان أهل مانو” بالتعاون مع الأخ و الصديق الباحث الدكتور سيد أحمد ولد أحمد سالم الذي عالجه من الناحية التاريخية و جعـل منه كتابا سيكون علي رأس المراجع التي يوثق بها.

و من روائع ما يروي لـ إعلي ولد مانو قوله مخاطبا الأميـر المختار ولد أعمر(7):

يالمختارْ أوعدْتَك انخــرْصْ = = اندُورْ يَكاَني انصييبْ مَخْلُــوگ

مَن ذُُُ لمغَافرَ كَامَْلَ إخََّلَـــصْ = = هَاذَ الشَّكرْ الزَّيْن المَوْثُــوگْ

جَـالبُولَك يل مانَْك أحْــــرَصْ = = مَن حَاتَم وُلاَ منُو الفَــــوْگْ

أُجَوْدَتَك ذًيك أوٌُجْهَـك المنطلَـصْ = = مَا هم لَمنَادَمْ گَطْ رََ شُـــوگْ

أهَاذَ زَاگل ال بيه مَا اتخَــــصْ = = ألاَ گَطْ بتْ افلَيعتُ مَخْنُــوگْ

ذُوك امَايَرْ اللي اعيَ ينتْگَـــصْ = = أثْرَك مَا لَك يَاسَـرْ مَعتُــوگْ

وارْمَاگگ هَاذُ اللي اتْخَلـَّــــصْ = = والبُگرَان ال تَحْلَب و اتْصُــوگْ

واشْوَايْلََك هَاذُ اللَي اطٌَلٌَصْ = = وامَلي اللي لُُ دَهْرْ مَطْلُــوگْ

أتَصْبَحْ فيهُم گَصَّصْ گَصَّــصْ = = إلَيْن اتْرُوحْ مَا اتْگودْ ألاَ اتصُـوگْ

والصٌُبْحْ تَصْبَحْ مَانْك امنَكَـــصْ = = أيَصْبَحْ اعيَالَك عَنُدُو اللي إظُـوگْ

أتَصْبَحْ مَن أهْل اشْتًيم مَتْمَلٌََـَّــصْ = = أتَصْبَحْ الطُمَــاع عَندْك ارْشوگْ

عَارْ عَمٌ الَ أثْرَك سَامَع النَــصْ = = ال جَايْ مَن عَندْ رَبْ لَخْلُـــوگْ

أعطِ انتَ أمُُلاَنَ إخَلََّــــــصْ = = والعَاط يَعطيكْ منُ الفَـــوْگْ

مَاني امعَاك إلَي اصْبَحْتْ مَنكـرَصْ = = مَنفَكع مَشَّايْن امعَاك مَخْلــوگْ

مَانِي فِي ذَاك طَاحْ في لَـــصْ = = ما يَعَگبَك فَرْوُ كُون مَشْگُـوگْ

امعَاك آنَ إلاَ اصْبَحْتْ منطْـلَصْ = = اتْعَايَْرْن واتْعَايَرْ لَخْلُــوگْ

مَتْمَرَّغ امعَ الجُودْ مَتْمَطْـــرَصْ = = مَتْنَزَّهْ عَن العَارْ عَيْنك الفَـــوْگْ

مَا تَكذَبْ شً گَلتُو امَصَّــــصْ = = ازْگ لَفظك امعَ اجْــدُورموتوگ

انتَ اتْگصْ يَغَيْرْ مَا تَنَــــصْ = = الكَاصَّك مَا اتْعُودْ عَينُ الفَـــوْگْ

إدَمرً أعلَ أثْرَك لَيْن يَمتَـــصْ = = اشْحَم عَيْنيهْ أيُورْمُ لَعـــرُوگْ

ألاَ گَطْ أمنَادَم أعليك فَيَّــــصْ = = آزْرً مَن الشًٌكرْ إعُودْ مَصْــرُوگْ

كُون انتَ هُوَ اللي اتْفَيَّــــصْ = = تَصْرگ اعليهْ ولَ تَگلعُ الفَــوْگْ

وانتَ الجَامْ الِّي مَا تَنتْگَـــصْ = = مَنهَلْ تًيدًرْم اللاَّحْگ أطـــوَگ

يَسْوَ فيك الل جَايْ إغَطَّـــصْ = = بُتَاگُبَّ أبْدَلوُ مَشْگُـــــوگْ

أكلهُم يَصْدَرعَنَك مَا تَنتْگَـــصْ = = أتَعكََبْهُم سَيْل آمْرُوخْ مَطْلُــوگْ

يَلِّ مَن عَندْ اذْرَاع بَطْفَـــصْ = = إلَ تَلْ السَّاگيَ أتَــكوگْ

أمَن عَندْ أوْجَفتْ النَبْكَتْ لَفرَصْ = = أمَن عَندْ دَبَّانكُُ المَشْرع لَعُــروگْ

مَا فيهْ أمنَادَم ماهُوَ أحْـــرَصْ = = مَنَك وأكثَرْ كَذْبْ وأكثَرْ شُــوگ

سَعدً ابْذًيك الجَّوٌدَ المَا تَنتْگَــصْ = = أمُلاَهَ امبَعَدْ امن العَجْــــلَ

ألاَ گَطْ رَدٌُ المَدْفَع لمرَصَّــصْ = = إلَ كَان ادَّاوُم لَبْـــــــلَ.

ولكن و قبل أن نطوي صفحة الإفتراضات هذه، لابد لنا أن نعرج علي ما سطره بعض كبار الباحثين ممن يوثق بآرائهم في المجالات الأدبية و التاريخية.

و في هذا السياق، فإن المرحوم محمدن ولد سيدي ابراهيم لا يحدد في كتابه تاريخا معينا لنشأة هذا الشعر في البلاد و لا يعرف متى دخل إليها تحديدا ولكنه يرى أنه مر بثلاث مراحل قبل شكله الذي أصبح عليه اليوم:

الأولى: مرحلة الكاف الذي يقرب من بيت الشعر الفصيح ومثل لذلك بقول الشاعر الذي لم يذكر اسمه:

يشيخْنَـا يـل للعَـان أفـــــراجَ = = ارعاك لا نمش مزلت اندور حـاجَ

الثانية: مرحلة “أتهيدين ” أو الملحمة و لا يذكر شيئا عن هذه النشأة في كتابه ولكنه يرجح أن القبائل العربية القادمة كانت لها آدابها و لم تنشأ نمطا جديدا بعد قدومها الي موريتانيا .

الثالثة: لم يذكرها و لعله يعني بها المرحلة التي يوجد فيها “لغن” بصيغته الحالية.

اما الدكتورمحمد المختار ولد أباه- وهو الباحث بامتياز- فإنه يقول في كتابه “الشعر و الشعراء” ” إن أقدم صنف من الغناء نجده في ذلك الفن الذي يسمى “أتهيدين”

ولم يحدد بداية النشأة للشعر نفسه و لا كيف كان إبان دخول بني حسان إلى البلاد. و إن كان أشار إلى أنه “دخلت الأزجال الشعبية العامية مع دخول عرب معقل الي الصحراء الصنهاجية ” وهذا بالطبع أقرب إلى الحقيقة التاريخية لأن هؤلاء العرب دخلوا في القرن السابع الهجري.

ولم يورد الدكتورمحمد المختار ولد أباه نموذجا لتلك الأزجال في تلك الفترة و إنما أورد نصا يعود للقرن العاشر وهو مدح لأمير زرقاني(8) :

مارت عن حسبك عاد انهول = = و أمارت عما كيفك زرگاني

فيـك مـم أفيـك امهلهـل = = أفيـك أمهـمـاد أكـانـي.

و يقول(9) المرحوم الأديب الشيخ ولد مكي، إن أول نص حساني معروف يعود إلى القرن التاسع الهجري وقد ذكر النص بدون إسناد و لم أعر أي اهتمام لذلك النص لأن الموضوع لم يكن آنذاك من جملة اهتماماتي الخاصة.

و يري الأستاذ أحمد بابه ولد أحمد مسكه أن هذا الشعر دخل البلاد مع بني حسان وقام المطربون في عصر سدوم ولد أنجرتو و أبناء مانو بتطويره وهذه مسلمة يكاد يتفق الباحثون عليها.

الخلاصة:

ليس من الضروري في نظرنا أن نظل نروج الشعر – سواء كان شعبيا أو فصيحا – لأن للبيت ربا يمنعه… الشعر سيبقي ما بقيت آذان تتذوق الجمال و مع ذلك، علينا أن لا نحتسب أن كل كلام موزون يرقي إلي درجة الشعر و يستحق اهتمام الرواة و الباحثين و تطالع به المواقع و الجرائد قراءها علي الصفحات الأولي.

أجل، لقد كثر الشعر في أيامنا هـذه و لكن الدهر كفيل بالقضاء علي كثير من المقاطع التي نتداولها اليوم؛ لأن الـذاكرة الشعبية لا تختزن إلا ما ينفع الناس و يمكث في الأرض… أما (بوسوير) فإنه يـذهب جفاء…
محمد ولد أحمد الميداح

عن admin

شاهد أيضاً

مسؤول أمريكي: قرارات جديدة لتعزيز الشراكة بين الرباط وواشنطن خلال أيام

مسؤول أمريكي: قرارات جديدة لتعزيز الشراكة بين الرباط وواشنطن خلال أيام قال السفير الأمريكي بالمغرب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *