موريتانيا..الفصل بين السلطات حقيقة / المختار محمد يح
لقد عرفت موريتانيا مؤخرا جملة من التغيرات على المستوى السياسي وطرق إدارة وتسيير البلاد، وتنوعت مجالات التدخل المغاير في معالجة الإختلالات المتراكمة منذ عقود لتشمل الدولة ومفاصلها، والتمييز بين المؤسسات الجمهورية واستقلالية السلطات الثلاث، لتنطلق جميعها وفق حرية التصرف وتطوير وسائلها للإضطلاع بدورها في بناء ومنعة البلد.
ولعل ملمح استقلالية القضاء ضمن مبدإ الفصل بين السلطات كان الأبرز حيث أكد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني أكثر من مرة على انتهاجه كمبدإ لا غنى عنه في دولة القانون والمؤسسات، وظهر ذلك جليا لجميع المتابعين من خلال الطريقة التي نأت بها السلطة التنفيذية عن ملف التحقيق في فساد العشرية، والذي أثارته السلطة التشريعية في البدء من خلال لجنة تحقيق برلمانية، تطور فيما بعد ليصل إلى القضاء الذي أصدر جملة من الاتهامات طالت 13 شخصا بينهم الرئيس السابق.
إن التزام السلطة التنفيذية بعدم التدخل في سير القضاء يأتي بشكل لافت لتمكين المؤسسة القضائية من حقها الدستوري في الاستقلالية والسلطة الكاملة في عملها لإحقاق الحق وتحقيق العدالة، ولقد نأت الحكومة باعتبارها جهازا تنفيذا للدولة عن التعليق أو إعطاء أية مواقف من الملفات التي بحوزة القضاء، وكان تصرفها بينا في التعاطي الإيجابي مع العارض الصحي الذي حصل للمتهم الرئيس في ملف فساد العشرية وقد كان رهن السجن الاحتياطي حيث لم تتدخل البتة في نوع الإجراءات المتخذة وكان القضاء والطاقم الطبي هما صاحبا القرار فيما تم القيام به.
ولقد كانت هنالك جهود كبيرة قامت بها السلطات العمومية من أجل التكفل بصحة المعني في أحسن الظروف، وقوفا مع ما يمليه الضمير وما ينص عليه القانون في مثل هذه الحالات وذلك من خلال الاهتمام الكبير بصحته ومتابعته على أعلى المستويات والتوجيه بتوفير أحسن رعاية ممكنة للمعني، وكان من الواضح استعداد الدولة لتحمل ما تم من علاجات واستعدادها لتحمل أية علاجات إضافية أخرى، حيث تم تمكين المعني من اختيار الطبيب المعالج، احترام مطلق لإرادة المعني فيما يتعلق بحيثيات العلاج، وتعبئة فريق طبي من أحسن المتخصصين في البلد، نقل المعني إلى المستشفى العسكري الذي يتعهد عادة بعلاج رؤساء الجمهورية سواء من كان منهم في الحكم، أو من تقلده في السابق، وتم التكفل بالمعني بالجناح الرآسي بالمستشفى العسكري وإحاطته بأحسن ظروف الرعاية الطبية، وتمكينه من حق زيارته من طرف أسرته ومحاميه.
واتبعت السلطات بشكل حرفي توصيات الفريق المعالج مما تجسد في نقل المعني إلى مستشفى القلب لمواصلة العلاج، وفق احترام مطلق لإرادة المعني بخصوص العلاجات المقترحة من طرف الفريق الطبي في مستشفى القلب، واحترام حرفي لفترة المكوث في المستشفى بعد العملية ( رغم زيادتها على المعدل المألوف في مثل هذه العمليات) باعتبار كونها فترة نقاهة، وهو ما أفضى فيما بعد إلى النزول عند طلب توصيات الأطباء في ظروف الإقامة بعد الخروج من المستشفى بما يضمن ما يكفي من الراحة والمتابعة.
ولقد كان كل من بيان مستشفى القلب وتصريح كريمة الرئيس السابق بتاريخ 02 يناير 2022 وبيانها المنشور بتاريخ 06 يناير 2022 والذين بينا الحقيقة بصفة جلية، ليقطعا الطريق أمام المشككين وناشري الشائعات بشأن الوضع الصحي للمعني والتكفل الطبي به والذي أثنى عليه هو نفسه حسب بيان المستشفى، وعلقت عليه كريمته بالرضى التام عنه.
أما بخصوص خرجات منسق فريق الدفاع عن السجين الاحتياطي فقد شملت الكثير من المغالطات، ومحاولة واضحة للتأثير على الصورة الناصعة لتعاطي السلطات مع العارض الصحي للمعني، كذلك فقد كان محاولا نشر معلومات غير دقيقة تتناقص تماما مع تصريحات أسرة المعني ممثلة في كريمته وبيان الأطباء المعالجين.
فكانت صورة فريق دفاع السجين الاحتياطي ضعيفة مهزوزة بفعل محاولاته المتبعة التي غابت فيها الحقيقة والمهنية والموضوعية والمسؤولية، والتي تهدف إلى تسييس الموضوع وتأليب الرأي العام، واستغلال الوضعية الصحية والإنسانية للمعني من أجل كسب بعض النقاط فيما يتعلق بالإجراءات المتخذة من طرف القضاء.
إن مثل هذا التعاطي الإيجابي والإنساني الذي قامت به السلطات العمومية تماشيا مع الوضع الصحي للسجين الاحتياطي المتهم بالفساد محمد ولد عبد العزيز يعتبر مظهرا جديا، وحاسما، للتأكد من أننا بتنا نمتلك جهازا قضائيا مستقلا ذو سلطة، وسلطة تنفيذية واعية لحدود القانون ومراعية لحقوق الإنسان، وتحترم رأي أهل الاختصاص من أطباء وغيرهم، وهو لعمري أهم ما يثلج الصدر من تحقق دولة القانون واقعا، وتشكل مؤسسات الجمهورية على أساس من الجدية والاستقلالية، عماده الفصل بين السلطات، بكل ما تحمله العبارة من معنى.