تشكل الأزمة الأمنية المتصاعدة على الحدود الشرقية لموريتانيا مع مالي تحدياً استراتيجياً هاماً للقيادة الموريتانية، في ظل توسع نفوذ الجماعات المسلحة وتدهور الوضع السياسي في مالي، بالإضافة إلى وجود مجموعة فاغنر الروسية التي أثرت على المشهد الأمني في المنطقة.
منهجية التعامل: الدبلوماسية والابتعاد عن التصعيد
اتسمت استراتيجية الرئيس محمد ولد الغزواني في إدارة هذه الأزمة بالتركيز على الدبلوماسية والامتناع عن الدخول في صراعات مسلحة مباشرة مع النظام العسكري المالي أو مع مجموعة فاغنر. هذا النهج يعكس حرصاً على الحفاظ على استقرار موريتانيا وعدم تعريضها لمخاطر أمنية قد تنجم عن انخراطها المباشر في النزاع المالي.
من جهة، يُنظر إلى هذا الأسلوب على أنه محاولة للحفاظ على التوازن الإقليمي، وتفادي تفاقم الأوضاع الأمنية على الحدود، خاصة في ظل هشاشة النظام المالي وتوسع رقعة سيطرة الجماعات المسلحة. ومن جهة أخرى، قد يُنتقد هذا النهج من قبل من يرون أن عدم اتخاذ موقف أكثر حزماً قد يترك المجال لتصاعد التهديدات الأمنية على المدى البعيد.
آراء الخبراء والمختصين
تتباين آراء الخبراء في الشأن الأفريقي حول هذا المنهج. يرى بعض المحللين أن حكمة الرئيس غزواني في تجنب الصدام المباشر ساهمت في حماية موريتانيا من تداعيات النزاع المالي، وحافظت على أمن الحدود، وهو أمر حيوي لاقتصاد واستقرار البلاد.
في المقابل، يشير آخرون إلى أن التحديات الأمنية المتزايدة على الحدود قد تتطلب مراجعة مستمرة للسياسات المتبعة، مع تعزيز القدرات الأمنية والرقابية، لضمان عدم استفزاز الجماعات المسلحة أو السماح بتمدد نفوذها داخل الأراضي الموريتانية.
التطورات الأخيرة وتداعياتها
مع بدء ظهور علامات ضعف النظام العسكري في مالي، وتوسع سيطرة الجماعات المسلحة، إضافة إلى إعلان مجموعة فاغنر رحيلها من البلاد، تتضح نتائج هذه السياسة الدبلوماسية التي اتبعتها موريتانيا. هذا التطور يطرح أسئلة حول مدى قدرة موريتانيا على الحفاظ على أمنها في ظل هذه المتغيرات، ومدى استعدادها للتعامل مع أي تداعيات محتملة.
يمكن القول إن تعامل موريتانيا بقيادة الرئيس غزواني مع الأزمة الأمنية في مالي يعكس توازناً دبلوماسياً بين الحيطة والحذر، والحرص على عدم الانجرار إلى صراعات قد تضر بمصالح البلاد. هذا النهج يحمل إيجابيات في تقليل المخاطر المباشرة، لكنه يفرض تحديات على المدى المتوسط والبعيد في كيفية مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة.
يبقى من المهم متابعة تطورات الوضع عن كثب، مع ضرورة تعزيز التنسيق الإقليمي والدولي، وتطوير القدرات الوطنية في مجال الأمن والدفاع، لضمان استقرار الحدود وحماية الأمن القومي الموريتاني في ظل بيئة إقليمية معقدة ومتغيرة