#ومضات_من_تاريخ_الدعوة_الحموية
الحلقة 2
سند الطريقة ورحلة الشيخ سيدي محمد الأحضر.
تلبية لطلب أحد الإخوة قد طلب مني ان أبين له السند الحموي المتصل بالشيخ التيجاني وبطريقة واضحة أقول إن سند الحموية يتصل بالشيخ عن طريق الشريف الحسني الشيخ الطاهر بو طيبة التلمساني الذي ألتقى به الشيخ سيد محمد الأخضر في آخر عمره بزاويته في تلمسان بالجزائر. ولا بد هنا من تسليط الضوء على بعض من حياة هذين الشيخين ليزول اللبس والإشكال.
يعتبر الشيخ سيدي الطاهر بو طيبة التلمساني من السابقين الأولين المشهود لهم بالوصول للحضرة الأحمدية التيجانية، إذهو الذي صحب الشيخ التيجاني قبل وبعد الفتح الأكبر وقام بخدمته طيلة خلواته التجريدية بصحراء أبي سمغون كما هو مبسوط ومبين في كتب الطريقة، فهو ثالث ثلاثة كانوا من اخص الخواص للشيخ التيجاني وهو أولهم واعني بالثلاثة : الشيخ علي حرازم جامع كتاب جواهر المعاني، والشيخ محمد المشري صاحب كتاب “الجامع” أما الشيخ سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني فقد ورد في كتاب “كشف الحجاب” لسيكرج ما يكشف عن حقيقته الحجاب حيث قال :”ومنهم الولي الكامل والعارف الواصل المشهود له برسوخ القدم في الولاية والمشهور بالفتح الكبير المحوط بعين العناية والبركة العظمى، أبو عبد الله سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني، أحد الخاصة المفتوح عليهم في هذه الطريقة الحنفية، كان رحمه الله آية من آيات الله الباهرة، وقد اشتهرت عنه كرامات عديدة يضيق عنها تأليف بالخصوص، وقد شهد له بالوصول للخلافة الأحمدية التيجانية وبالتقديم العام والمطلق من سيدنا الشيخ التيجاني رضي الله عنه، وعلى يديه اشتهرت الطريقة وانتشرت بنواحي تلمسان، وفقراء تلمسان يحدثون عنه بالعجب العجاب” أنتهى.
أما عن الشيخ سيدي محمد الأخضر فأمره معروف ورحلته مشهورة
فهو شريف حسني من شرفاء الأدارسة بالبلاد الصحراوية، وكان من المعروف عنه في الأوساط العلمية وفي البلاد التي زارها انه ولي صالح وصاحب كرامات.
يقول عنه علي أتراوري “كان الأخضر شيخا حقيقيا كرس حياته لخدمة الطريقة التيجانية” ويقول عنه ابول مارتي الباحث الفرنسي في كتابه دراسة حول الإسلام والقبائل السودانــية: ” كان الأخضر شريفا وجاء قادما من اتوات وقد وصل أنيورو سنة 1900م حيث أعلن أن التيجانيين المحليين هناك لا يتبعون الطريقة التيجانية المستقيمة لأنهم في صلاتهم الوظيفة يذكرون اثنى عشر مرة جوهرة الكمال وان هذه لا ينبغي ذكرها إلا إحدى عشر مرة لكن التيجانيين العمريين رفضوا ذلك وقاومه حتى أدى ذلك الى مشاجرات……” أما عن لقائه بالشيخ سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني واخذه عنه الطريقة وما حصل بينهما فإن الأمر بدأ بقدوم قدم به الأخضر إلى زاوية الشيخ سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني، وبحسب الرواية المتداولة عندنا عن لقائهما تلك الرواية سمعناها مرارا من خليفتنا محمدو ولد شيخنا أحمد حماه الله، اطال الله بقاءه وهو يرويها عن المقدم محمد عبد الرحمن ولد اهل المختار القلاوي أحد أصحاب الشيخ الأخضر القدامى الذين قدّمهم قبل ظهور شيخنا حماه الله، وهو ايضا الذي يروى عن شيخه الأخضر نفسه جميع التفاصيل المتعلقة بلقاء الخضر بالشيخ سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني، حيث كان يحدثه بها اتباعه القدامى، وحاصل رواية الشيخ سيدي محمد الأخضر عن نفسه أنه كان شابا من اسرة معروفة بالإنتساب للبيت النبوي الإدريسي وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب وكان يحسن مهنة “البناء” إلى أن خرج ذات يوم في رحلة صيد قنص الوحوش البرية فآل به الأمر إلى دخول مدينة تلمسان للتزود بشيء من الزاد فساقته الأقدار إلى زاوية الشيخ سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني لتأدية الصلاة فيها، فلما انقضت الصلاة أخذ الشيخ سيدي الطاهر بوطيبة يلقي الدروس الوعظية على التلاميذ، عندها أخذ الشيخ سيدي محمد الأخضر حال أدى به إلى السقوط مغشيا على عادة اهل الجذب الإلهي فلما أفاق امر الشيخ سيدي الطاهر بإحضاره إليه ليستجلي خبره، وحينما حضر وتعرف على هويته وانه شريف من ءال بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بتربيته بطريقة خارقة للعادة، وذلك ان الشيخ بوطيبة بعد معرفته بأن الشيخ الأخضر أمي ﻻ يعرف الكتابة ولا يقرأ وﻻ يحفظ من القرءان إلا سورا قصارا يصلي بهم لم يزد على أن أعطاه المصحف وقاله : “اقرأ هذا المصحف ثلاث مرات، الأولى للتهجي “أتگمكي” في حروفه والثانية لقراءة الآيات والسور “ألقبده” والثالثة للتدبر ومعرفة المعاني، واحذر أن تتجاوز حرفا أو كلمة دون أن تعرف المعنى المراد عند الله ورسوله منهما!!! ففتح الله على الشيخ الأخضر وحصل له المراد واستظهر القرءان الكريم في وقت وجيز ثم لقنه الشيخ الطريقة واسرارها وأطلق له في التقديم لأن الشيخ سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني كان خليفة من خلفاء الطريقة وهو من اهل الإطلاق، ثم افصح له عن مهمته التي سيكلفه بها وهي الأمانة التي يريد منه أن يتحملها حتى يؤديها إلى صاحبها وان يطلبه ولو كان بالصين، وقد زوده بعلامات صاحب تلك الأمانة او ذلك السر واشار له إلى جيهة ارض السودان حسبما يقول الشيخ الأخضر فانطلق من عنده يتجشم وعثاء الأسفار ويجوب الصحاري والقفار للبحث عن صاحبه.
الشيخ بوطيبة التلمساني لم يزد على ان زود الشيخ الأخضر بمصحف ونسخة من كتاب جواهر المعاني .. لكن الشيخ سيدي محمد الأخضر كما سبق بيانه كان على جانب كبير من العلم والفتح والكشف بشهادة كل من لقيه وعرفه عن قرب وكان ينشر الطريقة ويقدم المقدمين دون إطلاق لأن كل الذين قدمهم في كيهدي وضواحي انيورو كانوا مقيدين ولم يطلق لأحد منهم حسب علمي. ومما لا شك فيه أن الأخضر وجد الشيخ الطاهر في الأعوام الأخيرة من حياته فحمله تلك الأمانة الخاصة التي تتمثل في سر خاص من اسرار اهل الله أخذه عن سيدنا أحمد التيجاني فلما رأى انه قد تقدمت به السن إلى درجة لايمكنه معها البحث عن صاحب ذلك السر وعلم عن طريق المكاشفة ان صاحب ذلك السر ليس بالأرض التي هو فيها كلف الشيح الاخضر بالبحث عن صاحب تلك الأمانة حتى يؤديها إليه بعد ان زوده بالأمارات والعلامات اللازمة التي يعرفه بها .
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني عاش حتى سنة 1295 هجرية أي انه توفي قبل ميلاد شيخنا أحمد حماه الله بخمس سنوات لأن شيخنا ولد على رأس القرن الثالث عشر الهجري 1300 الموافق 1883م مما يفيد بأن الشيخ سيدي محمد الأخضر الذي قدم إلى انيور سنة 1900 وشيخنا حماه الله اذ ذاك في سن السابعة عشر ليمكث في المنطقة سنتين قبل ان يتعرف على شيخنا حماه الله وينصبه سنة 1902 ثم يقيمان معا بحتى توفي الاخضر سنة 1909 الموافق 1327 هجرية، هذا إن نظرناه وقمنا بحساب الزمن وفارق السن بين الشيخين نستنتج أن الشيخ سيد محمد الأخضر اشترك الزمان والمكان مع الشيخ سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني بحيث يمكنه الأخذ عنه وﻻشك في ذلك، لأن المحصلة من السنين بينهما هي 33 سنة ، والشيخ الأخضر توفي عن عمر يزيد على السبعين سنة كما سمعت ذلك من مصدر موثوق , إذن الشيخ الأخضر قام برحلته البحيثة هذه ربما هو في سن الثلاثين او أزيد، ومن المعروف انه قام يخوض المجهول ويجوب الصحارى حتى زار اكثر الحواضر والمدن التاريخية آن ذاك مثل شنقيطي، وولاتة.
الشيخ الأخضر زار حاضرة من حواضر القادرية الفاضلية في آدرار تسمى ب “أجريف” بحثا عن ضالته ولم يمكث فيها طويلا لأنه كان كلما توسم في شخص مظنة أن يكون هو صاحبه الذي يبحث عنه يقيم معه ما شاء الله حتى يتبن حقيقته، وقد أثير حول الشيخ الأخضر الكثير من اللغظ آ نئذ حيث اتهمه بعض الأخوان التيجانيين الحافظيين بأنه أخذ الطريقة القادرية وترك الطريقة التيجانية لكن الأمر ﻻيعدو اتهامات وإشاعات بقصد الطعن في سند الشيخ، وقدحصلنا بعد ذلك على رسالة بعث بها الفاضليون انفسهم من اهل اجريف الى شيخنا حماه الله لما سمعوا بتلك الشائعات مفاد تلك الرسالة هو التنويه بشأن الاخضر وتفنيد كل التهم التي اشيعت عنه, بل أكد الشيح سعد ابيه احد اعيان الفاضليين الذي هو من كتب الرسالة على انهم لم يجدوا مثل الشيخ الأخضر طيلة مقامه معهم في الفضل والإستقامة وصلاح الحال والحرض على طريقته التجانية والعمل بحرفية تعالميها على اكمل وجه واحسنه دون مساومة أو مداهنة. والرسالة مازالت موجدة عندنا. وقد رد جمع كبير من علماء الطائفة الحموية على تلك الشائعات بالرسائل المكتوبة والقصائد الشعرية, من ذلك قصيدتان في النصح بعث بهما الشيخ محمد الامين ولد الطالب ولد اخطور الحاجي اولاهما مطلعها :
ألَا فاقبلوا نصحا ممن وصفه الجهل***ووصفكم علم سلالة من يعلو
والاخرى مطلعها :
قضى الله بعد البين من علوة الوصلا***فيا مرحبا اهلا بها ثم ياسهلا.
كما الف الشيخ محمد الامين كتابا في الرد على الذين طعنوا في سنده اسماه “سلم السعادة والكتاب مازال مخطوطا ضمنه الكثير من المراسلات والسجالات التي حصلت بين الحمويين واخوانهم من الحافظيين وخاصة الرسالة التي بعث بها العلامة محمد المختار بن محمد يحي الولاتي الى اشياخه الحافظيين بعد انتقاله من السند الحافظي الى الحموي فيما يتعلق بالسند الحموي.
ولنرجع الى رحلة الشيخ الاخضر إذ انتقل من “اجريف” إلى مدينة شنقيط ومكث فيها مدة يسافر عنها ويرجع إليها في مهمته البحثية وتزوج بضواحيها ورزق ابنته الوحيدة الأخت الكريمة “لاله” التي لم يسمح الزمان بمثلها في الإستقامة والتبتل في العبادة والإنسجام مع الناس ومحبة الخير لعامة المسلمين، ولم تزل مزارا يؤمه الناس للتبرك في حياتها حتى أنتقلت الى مغفرة ربها حوالي 1376 هجرية.
تمادى الشيخ الأخضر يبحث عن صاحبه إلى ان وصل مدينة كيهدي ومكث فيها مدة ينشر الطريقة التيجانية الإحدى عشرية فصار له اتباع وقدم أربعة أو خمسة اشخاص للتلقين، ثم انتقل إلى ضواحي مدينة أنيورو فأقام في بطن من بطون لقلال يسمى اهل” بو بي ” من أولاد موسى ينشر الطريقة وقدم منهم ومن غيرهم أشخاصا مشهورين، ومن ابرزهم المقدم الكبير والشيخ الجليل محمد عبد الرحمن ولد أهل المختار الذي كان ءاية في الفضل والصلاح وهو من أول المبادرين بالتجديد على شيخنا حماه الله عندما وصلت إليه الأمانة.
يقول أتراورى :”قام الشيخ سيدي محمد الأخضر من تلمسان بالجزائر يحمل رسالة من الشيخ سيدي الطاهر بوطيبة التلمساني إلى الخليفة الذي ﻻيعرفه الشيخ الأخضر لكن عنده علامات وكلمة سر لا يعرفها الا ذلك المبعوث إليه، يقول أتراورى : ” كل المرويات الشفهية المحصول عليها في موريتانيا ومالي وكوت دي افوار والمتعلقة بالأخضر تتفق في مجملها على انه كان على قدر كبير من التدين والثقافة وانه كان معروفا لدى الجميع ومحترما من طرف الجميع خاصة سكان أنيور التي حط رحاله فيها،
الأخضر لم يكن متسرعا في رحلته حيث أنجبت له ابنته لاله في آدرار ومن آدرار توجه صوب لعصابة وكوركول ومن كوركول اتجه الى الحوضين حتى وصل وﻻتة ومن ولاتة إلى مدينة انيور وفي انيور اطمأنت نفس الأخضر وتزوج هناك واصبح شيخا أطمس كل من حاول مناورته من المشائخ الموجودة في المنطقة مما جعل الأكثر منهم يتبعه بقناعة والأقل رغم انفه.”
يتبع…. .